هكذا، يزيد فصل الشتاء من مشهد البؤس الذي يزنّر حياة اللاجئين، رافعاً منسوب خوف سكان الخيم من هبوطها على رؤوسهم بعدما تلف العديد منها بسبب العوامل المناخية.
فوفقاً للتقييم السنوي لجوانب الضعف لدى اللاجئين السوريين في لبنان للعام 2015، الذي أطلق من قبل برنامج الأغذية العالمي ومفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة قبل أيام، تدهورت حالة اللاجئين كثيراً في السنة الأخيرة، بحيث يمكن القول إن أكثر من 70 بالمئة من المسجلين في المفوضية يرزحون تحت خط الفقر، ويعيشون بأقل من 3 دولار و80 سنتاً للفرد في اليوم الواحد. وتبين خلال التقييم أيضاً أن أكثر من 90 بالمئة من هؤلاء صاروا مثقلين بالديون. وتقول ليزا أبو خالد، المسؤولة المساعدة في قسم الاعلام في المفوضية لـ"المدن" إن المفوضية ضاعفت، خلال الشتاء الحالي، أعداد المستفيدين من مساعدات الشتاء النقدية، والتي تتضمن بالاضافة الى بطاقات مازوت بقيمة 100 دولار شهرياً للاجئين في عرسال وغيرها من المناطق النائية، مبالغ نقدية للمقيمين في المناطق الأخرى حُدد سقفها بـ147 دولاراً للعائلة التي تسكن على ارتفاع يزيد عن 500 متر و100 دولار للقاطنين في المرتفعات الأدنى، مع تحرير وجهة انفاق المبلغ بشكل يسمح للاجئ بتحديد أولويات انفاقه، سواء للتدفئة أو ايجار المسكن أو للغذاء، خصوصاً أن 50 بالمئة من اللاجئين المسجلين في المفوضية لا يستفيدون عملياً من البطاقة الغذائية.
ويشمل هذا البرنامج الذي أعتمد منذ الشتاء الماضي حالياً نحو 151 الف عائلة سورية مقيمة في لبنان، أي ما يقارب 750 ألف فرد، ابتداءاً من شهر تشرين الثاني 2015 حتى شهر آذار 2016. بينما أظهرت الدراسة أن عدد العائلات الأكثر ضعفاً في فصل الشتاء، والتي تحتاج فعلياً الى هذه المساعدات، يصل إلى 195 الفاً، أي حوالى 975 ألف فرد.
الا أن سوء أوضاع اللاجئين السوريين، اضطرهم إلى دفع هذا المبلغ في بداية موسم الشتاء لتسديد الديون التي تراكمت عليهم، ما جعل الشتاء يفاجئ كثيرين منهم، فلم يتزودوا بالمازوت، فتهافتوا على محطات الوقود لتأمين كميات ضئيلة منه، تكفيهم لأيام قليلة، فيما عمد كثيرٌ منهم الى تكديس أجسادهم تحت الحرامات الموزعة عليهم سابقاً.
والحالة المتردية لا تنطبق فقط على سكان المخيمات، كما تؤكد أبو خالد، بل تشير إلى دراسات أجرتها المفوضّية أظهرت انه على خلاف ما يُعتقد فإن 18 بالمئة فقط من اللاجئين يسكنون في الخيم، وهؤلاء يشكلون جزءاً من 55 بالمئة من اللاجئين الذين يصنفون في فئة اللاجئين الأكثر ضعفاً في لبنان، ويسكنون في أماكن غير آمنة من ضمنها المخيمات العشوائية أو المباني غير المكتملة والكاراجات.
ومع ذلك تبقى شوادر الخيم وهشاشتها في أولوية الاهتمامات، خصوصاً لمن لا يملكون بديلاً يقي رؤوسهم من الأمطار والثلوج، كما تشرح هبة فارس المسؤولة الاعلامية في منظمة MEDAIR المعنية بشكل أساسي بتوفير الخيم ومستلزماتها، لـ"المدن". وتقول فارس إن إعادة تأهيل الشوادر تبقى استحقاقاً موسمياً بسبب العوامل المناخية، التي تتسبب في تآكل حتى النوعية الأفضل منها، ولذلك "استبقنا الأمور هذه السنة من خلال توزيع الشوادر والخشب على أعداد من اللاجئين، لكن حجم هذه المخيمات صار خيالياً، واللاجئون السوريون تحولوا إلى مجتمعات تكبر وتتولد، وبالتالي فإن الحاجة إلى زيادة الخيم وتكبير المخيمات تسير بشكل مضطرد، وفي ظل ضعف التمويل لا امكانية لتغطية كل المخيمات في آن واحد، حتى بعدما حفز اللجوء السوري الى أوروبا على تقديم مساعدات اضافية للدول المضيفة ومن ضمنها لبنان".
وتزيد أعباء فصل الشتاء، كما تشير كل من أبو خالد وفارس، نتيجة تراجع القدرات الاقتصادية حتى للمقيمين في المنازل أو غير المسجلين في المفوضية. وتشرح فارس أن عائلات كثيرة كانت تقطن في المنازل ساء وضعها في السنوات الأخيرة، بحيث اضطرت للانتقال إلى الخيم من دون أن يكون لديها القدرة على التأقلم على العيش فيها. ومن هنا كان استهداف MEDAIR للاجئين المقيمين خارج المخيمات، وتدخلها في عقد الاتفاقات مع أصحاب الأملاك لتخفيض ايجارات بعض المساكن والمساهمة في تسديد أجزاء منها، وتجهيز بعض البيوت بالحاجات الأساسية، في محاولة للحد من بؤس حياة اللاجئين، خصوصاً في فصل الشتاء.
على أن المطلوب حالياً، بحسب فارس، أن "لا تنسى الدول أزمة سورية في أي وقت من الأوقات، وأن تبدي اهتماماً أكبر بمساعدة اللاجئين"، خصوصاً أن المشكلة تكبر في كل عام، لتتظهر صعوبة العيش في فصل الشتاء، حيث يصبح خيار البحر هرباً الى أوروبا مواز لمأساة العيش من دون دفء وطعام سواء في لبنان أو في تركيا والأردن، كما يردد اللاجئون.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها